يسرّني أن أخاطبكم اليوم. على ضوء كل ما يجري حول العالم، يرتدي دور وسائل الإعلام أهمية أكبر من أي وقت مضى. فنحن نعيش في أزمنة استثنائية حيث لم نعد نعرف أصدقاءنا من أعدائنا.
خلال الأعوام القليلة الماضية، شهد العالم تغييراً أساسياً. فقد سُجِّل تفشّي الإرهاب على أيدي متطرفين يستخدمون الإسلام غطاءً لهم، والإسلام والمسلمون برّاءٌ منهم. هؤلاء ليسوا مسلمين! للأسف، ليس هناك مكان في العالم بمأمن من ممارساتهم، ما يتسبّب بالانقسام الثقافي الأكبر في الذاكرة الحية.
لقد عدنا إلى القرون الوسطى. كيف هذا ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين حيث التسامح واحترام الأديان الأخرى من المسلّمات! لا أدري كيف سنخرج من هذا الوضع الخطير. نعيش تحت رحمة الخوف من الشعوب المجاورة لنا انطلاقاً من اعتبارات مرتبطة بالانتماء الديني ولون البشرة. هذه هي الحقيقة المؤسفة!
والإعلام، لسوء الحظ، يزيد الطين بلّة. إنه يساهم في إذكاء النيران وتعميق الهوّة بين الشرق والغرب، ناهيك عن السياسيين الذين يُفترَض بهم الاعتناء بشعبهم. إلا أنهم يؤجّجون الكراهية ويشجّعون التفرقة الثقافية.
الدعوات التي يوجّهها دونالد ترامب لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة مثيرة للصدمة. يريد إنشاء قاعدة بيانات لرصد جميع المسلمين في الولايات المتحدة، كما أنه دعا إلى مراقبة المساجد.
لماذا يُصنَّف المسلمون في خانة المجرمين على أساس معتقدهم الديني؟ تستطيع الهررة والكلاب دخول الولايات المتحدة بحرية، أما المسلمون فلا.
وبالطبع، تستغل وسائل الإعلام الغربية الأمر. طُلِب منّي إبداء وجهة نظر المسلمين حول تصريحات ترامب لأن أحداً لم يبادر إلى الرد عليه جهاراً. لا يجب حتى إقحام الدين في المسألة. لا يحتاج الإسلام إلى من يدافع عنه. لكن كان لا بد من التصدّي للكلام المخزي والمسيء الصادر عن ترامب.
أتساءل، هل ترامب جاهل أم عنصري بكل بساطة؟ أظن أنه الأمران معاً. وبوجود أشخاص مثل ترامب، على وسائل الإعلام أن تتصرف بمسؤولية وتكتب الحقيقة كما هي. ينبغي على وسائل الإعلام أن تشدّد على أن الإسلام دين مسالم. لعل مثل هذا الكلام مضجر جداً للجماهير التي تفضّل العناوين الرئيسة الحافلة بالفضائح والافتراءات. لكنها الحقيقة!
في البداية، لم تتعامل وسائل الإعلام الأمريكية بجدّية مع ترامب ظناً منها أنه ظاهرة سريعة الزوال. ومع ذلك، منحته الكثير من الوقت على الهواء إنما مع تجاهل الأخبار الحقيقية.
يتعرض المسلمون في العالم، وعددهم 1.7 مليار نسمة، للهجوم من شخص يسعى لأن يصبح ما يُسمّى قائد العالم الحر. أظن أن الشعب الأمريكي أذكى من أن ينتخب دونالد ترامب رئيساً للبلاد، وآمل بألا أكون على خطأ. لا أستطيع أن أتخيّل ما سيصبح عليه عالمنا في حال وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية. لكن في حال فاز بالرئاسة، أنا على يقين من أنه سيفعل كل ما بوسعه لمنع الزوّار المسلمين من دخول بلاده.
عندما سمعت كلام دونالد ترامب، اعتقدت أنه سيصبح خارج السباق الرئاسي. كم كنت مخطئاً. ثمة خطر واضح وداهم بأن يتمكّن من دخول البيت الأبيض.
على الرغم من الكلام الذي تفوّه به، لا يزال متقدّماً في استطلاعات الرأي الأمريكية، مع 35 في المئة من أصوات الجمهوريين. يبدو أنه كلما ازداد فظاظة ووجّه مزيداً من الإساءات والإهانات، أحبّه الناخبون الأمريكيون أكثر فأكثر، ما يُظهر أن رهاب الإسلام يشهد ارتفاعاً خطيراً.
هذا الرجل – الذي قد يتم انتخابه ديمقراطياً – لا يهاجم الإسلام وحسب، بل أيضاً الأمريكيين من أصل لاتيني، والأمريكيين الأفارقة وسواهم. إنه يفرض عزلة على الجميع من دون استثناء!
نجح ترامب، عن طريق السياسة ووسائل الإعلام، في استغلال خوف الناس من "الآخر"، مستخدماً سلاحَي العنصرية والتعصّب. يشعر غير المسلمين في العالم بالاشمئزاز، وبدأوا يتصدّون له في العلن. وقد فعل العديد من المعلقين والمؤسسات الإخبارية عين الصواب أيضاً، عبر وصف تعليقات ترامب الاستفزازية بالعنصرية – والإقرار بأن سياساته تتغذّى من التعصب العنصري.
لكن أين هي دفاعات العالم الإسلامي؟ أشعر بالصدمة إزاء الصمت المقلق للقادة ورجال الأعمال في العالم الإسلامي والعربي. ماذا يحلّ بنا؟ نحن المسلمين مستهدَفون. عقيدتنا الدينية تتعرّض للهجوم، لكننا نتصرف مثل حملان تُساق إلى الذبح.
إذا وضعنا السياسة والمكاسب المادية جانباً، كيف يمكن لأصحاب الضمائر الحيّة أن يستمروا في التعامل تجارياً مع هذا الشخص أو مع شركاته نظراً إلى أن ترامب الشخص وترامب العلامة التجارية هما وجهان للعملة نفسها؟
في مختلف الأحوال، واهمٌ من يعتقد أنه يمكن حماية أمريكا عبر منع المسلمين من دخولها. وهل يستطيع أحد أن يلوم المسلمين إذا فكّروا على النحو الآتي: "إذا كنتم لا تريدوننا، فأنتم بالتالي لا تستحقون أموالنا"؟
يجب أن يتذكّر ترامب أن الدول الإسلامية حول العالم تملك استثمارات طائلة في الولايات المتحدة. يتعهّد بـ"جعل أمريكا عظيمة من جديد"، لكن الحقيقة هي أنه يُعرّض اقتصاد البلاد لخطر شديد بسبب كلامه الذي ينطوي على الكثير من الفظاظة والإساءة. تستند سياساته إلى كلام فارغ، ويتهجّم على ديننا الحنيف.
أوجّه نداء قوياً إلى جميع مَن يتعاملون مع دونالد ترامب أو أي من شركاته، كي يتوقّفوا عن ذلك. أناشد وسائل الإعلام التركيز على ما هو مهم، وإبراز الوقائع. تملكون سلطة قوية في أيديكم. لا تقعوا فريسة لعبة السياسة.
قبل سنوات عدة، أطلقتُ مؤسسة تحمل اسمي، مؤسسة خلف أحمد الحبتور للأعمال الخيرية، مهمتها العمل على تعزيز الحوار بين الشرق والغرب، وبناء الاحترام والتفاهم بين الثقافات. لكن للأسف، تزداد هذه المهمة صعوبة يوماً بعد يوم بسبب غباء أشخاص على غرار دونالد ترامب يزيدون الأمور تعقيداً. إنه يبثّ السموم والكراهية.
أمثال ترامب هم من يمنعون الشعوب من العيش بسلام ووئام. سأستمر في بذل قصارى جهدي لتحطيم الجدران التي يبنيها.
فضلاً عن ذلك، أنوي تنظيم طاولة مستديرة يشارك فيها أشخاص مثلي من مختلف أنحاء العالم، للتركيز على مكافحة الفقر العالمي الذي يُعتبَر من أكبر الآفات التي تهدّد عالمنا. هذا ما يجدر بنا التركيز عليه، بدلاً من إهدار الوقت الثمين على دونالد ترامب. يجب أن نعمل على حل واقعي لمساعدة الفقراء، وأن نسعى جاهدين لإنقاذ البشرية بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين.
ليس دونالد ترامب الوحيد الذي يستغل وسائل الإعلام، ويزرع الخوف، ويبث الكراهية ضد المسلمين. ثمة أشخاص آخرون يسيرون على الخطى نفسها، ما يقودني إلى مقال كتبته عن مورتن ستورم الذي شارك في وضع كتاب يروي فيه سيرته الذاتية كعميل مزدوج لدى تنظيم "القاعدة" ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، والذي يزعم أنه مسلم.
شعرت بخيبة أمل عندما دعته قناة "فوكس نيوز" مؤخراً لإبداء رأيه في أعقاب هجمات باريس. يا لها من إهانة. إرهابي يدّعي أنه مسلم، يتكلّم باسمنا. إنه خائن وكاذب، ويداه ملطّختان بالدماء.
لم يكن يجدر بقناة "فوكس نيوز" أن تمنحه وقتاً على الهواء. لا يتحلى ستورم بأي معايير أخلاقية، ومن المؤكد أنه ليس مصدراً موثوقاً عن الإسلام. للحصول على معلومات صحيحة عن الإسلام، كان على "فوكس نيوز" دعوة مسلم حقيقي يفقه بشؤون الدين ويمارسه.
تتحمّل وسائل الإعلام مسؤولية نقل الحقيقة كما هي، وعدم إبراز نسخة مشوّهة ومفبركة عن الخبر لمجرد تسجيل نسبة مشاهدة مرتفعة. لا يجب منح الإرهابيين والعنصريين منبراً يعبّرون من خلاله عن آرائهم.
في عالمنا الهش، يجب استعمال الإعلام وما يتمتع به من قوة ونفوذ من أجل الخير، بغية تعزيز أواصر اللحمة بين الأشخاص، والقضاء على العنصرية والكراهية. يجب أن يكون الإعلام منصّة للسلام والتسامح.
شكراً لكم.