إن رؤية حالة #الشلل_السياسي السائدة في لبنان لا تثير سوى الشعور بالألم في نفس إنسان مثلي أحب ذلك البلد وشعبه المثقف والمبادر من أعماق قلبه. إلا أنني لا أستطيع أن أتصور حجم هذا الألم في نفوس اللبنانيين الذين عانوا لعقود متواصلة من سلسلة أزمات وصراعات وخلافات طائفية لا تنتهي وأدت لإنشقاق المجتمع بل وحتى تصدع بعض العائلات أحياناً.
ويلح علي إزاء هذا المشهد سؤالان إثنان: ما الذي يجعل لبنان يبدو في حال دائمة من الإضطراب وما الذي يمكن فعله لمعالجة ذلك الوضع؟
هناك عوامل عديدة تعتبر أساس المشكلة، ليس أقلها النصوص الدستورية البالية والتقسيمية الموروثة عن الحقبة الإستعمارية الفرنسية، والتي تشترط أن يكون الرئيس مسيحياً مارونياً ورئيس الوزراء مسلماً سنياً ورئيس مجلس النواب مسلماً شيعياً.
إن هذا التقسيم للمسؤوليات على أساس الإنتماءات الدينية للأشخاص لم يكن يعني فحسن إستثناء الشخص الأنسب لهذه المراكز من الوصول إليها، بل وجعل معظم اللبنانيين يعرفون أنفسهم من ناحية إنتمائهم الديني وليس الإنتماء الوطني لشعب واحد.
لقد ثبت لي بالتجربة أن المغتربين اللبنانيين في أرجاء العالم لا ينظرون إلى أنفسهم من المنظور نفسه الذي يستخدمه مواطنوهم داخل الوطن. هؤلاء يعتبرون أنفسهم لبنانيين قبل أن يكونوا مسيحيين أو مسلمين سنة أو مسلمين شيعة، كما يحدثونك بفخر عن بلدهم الذي يرونه أجمل بلد على وجه الارض، وتدمع عيونهم عندما يستمعون إلى بعض أغاني فيروز الوطنية.
مختصر الكلام أن لبنان يحتاج بصورة عاجلة إلى دستور جديد يحل محل تلك الوثيقة التاريخية البالية التي صيغت بشكل سيء وتسببت بالكثير من الأذى لهذا البلد.
علاوة على ذلك، فإن تلك الإنتماءات الطائفية قد فتحت الباب عل مصراعية أمام القوى الخارجية التي إستخدمت لبنان دون شفقة أو رأفة بحاله على مدى سنين طوال ميداناً بديلاً لمعاركها بالوكالة، تواجه فيه أعداءها وتتلاعب بساسته لتحقيق مآربها في المنطقة. وطالما ظل مسموحاً للقوى الخارجية أن تتعامل لبنان، ودون أي إكتراث بمصالحه، بإعتباره ملعباً لها وأن تستغل الإنقسامات القائمة فيه فإنه لن يعرف السلام ولا الرخاء.
عندما خرج الإسرائليون من لبنان في 2000، ثم تبعهم السوريون في 2005، عمت الإحتفالات والفرحة البلاد. وحينها إعتقد اللبنانيون أنهم أصبحوا سادة أمرهم وأحراراً في إتخاذ قراراتهم دون تدخل خارجي.
لكن موجة الفرح تلك لم تعش طويلاً. وسرعان ما تبين أن البلد الذي تخلص من الوجود الاجنبي المادي المباشر كان ما يزال مشروع الأبواب أمام التدخل والنفوذ الخارجي الخفي والمؤذي في غالب الأحوال عبر أقلية من ساسته وقادة ميليشياته الذين يصفهم البعض بأنهم يتحركون بالتحكم عن بعد من الخارج.
هذا النفوذ أصبح بادياً الآن منذ إنتهاء ولاية الرئيس إميل لحود الدستورية وهو ما يتطلب قيام البرلمان بإختيار خليفة له. إلا أن الخلافات الشديدة التي إعترت التحالفات الموجودة في البلد كانت من الضخامة لدرجة أن إختيار بديل مناسب للرئيس لحود كان وربما ما يزال عرضة لخطر مواجهة طريق مسدود والإفضاء بلبنان إلى ما تصفه الصحف بأنه "فراغ سلطة في البلد".
بل إن بعض المراقبين الغربيين أخذوا يحذرون من أن لبنان أصبح على أعتاب حرب أهلية جديدة قد تكون لها عواقبها الخطرة على دول المنطقة بأسرها.
نعم، المواجهة المعلنة هي بين تحالف المعارضة تحت عباءة جماعة 8 آذار والذي يدعم ترشح العماد ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر للرئاسة من جانب وكتلة 14 آذار ذات الأغلبية النيابية.
الأمر حتى الأن يبدو طبيعياً. غير أن ما أجده غريباً ومخيفاً هي تلك الطريقة التي يسعى فيها كل ساسة لبنان ومن مختلف مكونات الطيف السياسي للحصول على الأضواء الخضراء من القوى الأجنبية والمجاورة بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وإيران لأي فعل يتعلق بإختيار الرئيس العتيد. هل هناك أي بلد أخر ذي سيادة في العالم يتصرف ساسته بهذه الطريقة؟
ما دام لبنان محتفظاً بدستور يقوم على الطائفية ويشجع النفوذ الاجنبي سيتواصل غياب الإحساس العام بالعزة الوطنية في لبنان، وهو ما أرى أنه السبب الجوهري وراء ما يحصل.
لبنان هذه البلد الصغير التي لا تزيد مساحته عن 10400 كيلومتر مربع ويقل تعداد سكانه عن أربعة ملايين نسمة يجب أن تكون له حكومة موحدة وقوية وجيش قوي وعالي التجهيز تحت تصرفها في حال حدوث أي تطور يهدد إستقراره.
أما إذا إستمر الأفرقاء اللبنانيين على هذه الحالة من الإنشقاقات الناتجة عن توزع الولاءات فسيبقى لبنان رهينة الميليشيات الممولة من الخارج والتي غالباً ما يستخدم قادتها ضعف الجيش وعجزه عن حماية البلاد ذريعة للإحتـفاظ بسلاحهم.
ولهذا يتوجب على المجتمع الدولي عبر #المنظمات_الدولية، مثل الأمم المتحدة والجامعة العربية، تقديم المساعدة في تجهيز وتمويل وتدريب الجيش اللبناني بحيث يصبح للبلاد قوات مسلحة وحيدة تأتمر بسلطة حكومة موحدة تخضع بدورها لمحاسبة الشعب اللبناني بلا إستثناء.
يجب أن يكون شعار اللبنانيين جميعهم "موحدين نقف ومتفرقين نسقط". لم يعد للطائفية مكان في عالمنا المعاصر وفي ظل إقتصاد يتعرض لمخاطر جمة. وكلما أسرع اللبنانيون برمي هذه المفاهيم البالية في أقرب سلة مهملات تطالها يدهم ووحدوا صفوفهم خلف راية لبنان الموحد كلما كان ذلك أفضل لهم.