تحول غزو وإحتلال #العراق بقيادة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى واحد من أكثر الأحداث تخبطاً في التاريخ. وبنتيجته وجدنا الدولة العراقية المتجانسة والقادرة على إدارة أمورها وهي تتفكك وشعباً موحداً وهو يتحول إلى فئات تواجه بعضها وبلاد اًقوية وهي تصبح ضعيفة وتتحول إلى ميدان للأجانب من جيوش وميليشيات ومرتزقة وتجار حروب.
#العراق الذي كان بلداً فخوراً بنفسه والذي فقد حتى الآن الكثير من أبنائه يتعرض اليوم لخطر التقسيم ولفقدان هويته.
أخشى أن ننسى ونحن نشهد يومياً مظاهر تفكك هذه البلاد العظيمة يوماً بعد يوم على شاشات التلفزيون أن بلاد الرافدين (#العراق) التي كانت تعرف بأنها مهد الحضارة قبل الفراعنة بزمن طويل وقبل الإسكندر الأكبر بآلاف السنين.
هذه الأرض هي التي أعطت البشرية علم الرياضيات وأول أبجدية وأول قوانين مكتوبة. ولأكثر من خمسة قرون كانت بغداد القلب النابض للوطن العربي. وبعد أن أصبح #العراق جزءاً من الإمبراطورية العثمانية لاحقاً، عاد ثانية إلى العرب عام 1932 بعد نيله الإستقلال.
حين تسلم صدام حسين زمام السلطة عام 1979 قمع الشعب العراقي، غير أن البلاد ظلت موحدة تحت حكمه السلطوي كما حققت الرخاء وأصبح يشار إليها بالبنان في مجال تحرر المرأة والجامعات والخدمات الصحية الراقية. وكان الزيجات المختلطة بين السنة والشيعة شيئاً طبيعياً ومعتاداً.
يبدو كل ذلك صعب التصديق اليوم ونحن نرى النساء يخشين حتى من مغادرة بيوتهن والأساتذة الجامعيون يتعرضون للذبح والأطباء يهربون من البلاد بالجملة نتيجة لحملات الترهيب. بل عرف الوطن العربي مقولة أصبحت مثلاً وهي أن القاهرة تؤلف وبيروت تنشر وبغداد تقرأ.
غير أن كل ذلك أصبح اليوم ماضياً ولي. ثماني سنوات من الحرب مع إيران، عشر سنوات من العقوبات الإقتصادية الدولية، أربع سنوات من الإحتلال والعنف الطائفي، كان لذلك كله تكلفته الباهظة على البلد.
ربما يعود الشعب العراقي للتصالح وتعمير ما تهدم بعد أن يرحل المحتلون ويأخذوا آلة حربهم معهم. صحيح أن تحقيق هذا الأمل يحتاج إلى العزيمة والإخلاص، غير أننا يجب أن نضع في أذهاننا دوما أن ألد أعداء الأمل إنما هو اليأس.
يجب على العراقيين أولاً أن يوحدوا موقفهم ويرفضوا كل أشكال النفوذ الخارجي. كما يتعين على الأمريكيين وحلفائهم الإعتراف بإخفاقاتهم وإعلان برنامج للخروج من #العراق.
جيران #العراق مطالبون أيضاً بإخراج أنفسهم من المعادلة والمقاتلون الأجانب عليهم العودة إلى أوطانهم مثلما ينبغي على العراقيين أن يروا أنفسهم باعتبارهم مواطنون عراقيون أولاً وأخيراً. نعم، هذا خيار ليس بالسهل، غير أن بدائله تعني خراب #العراق. ما لم يتمسك العراقيون بهذا الخيار، قد ينتهي المطاف بالعراق إلى أن يصبح إسماً يذكر في كتب التاريخ مثلما إنتهى إليه حال يوغسلافيا.
ربما يكون هذا هو هدف الخطة الأمريكية منذ البداية. إذ بتقطيع #العراق إلى ثلاث دويلات صغيرة وضعيفة، يمكن تحويل هذه البلاد التي كانت موحدة لتكون هزيلة وقانعة بقبول إملاءات الأجنبي عليها وتقديم ثرواتها الطبيعية غنيمة سهلة لمن يريد الإغتنام.
أضف لذلك أن #العراق بعد تفكيكه لن يعود ليكون تهديداً لإسرائيل ثانية، وهو ما عبر عنه الصحفي الإسرائيلي المرتبط بالخارجية الإسرائيلية عوديد يينون حينما قال منذ عام 1982 إن "تفكيك #العراق هو أكثر أهمية لنا حتى من تفكيك سوريا."
لم يكن يينون وحده هو المدافع عن هذا الرأي. إذ بعدها بحوالي 21 عاماً، ويوم 25 نوفمبر 2003 بالتحديد، كتب ليزلي غيلب، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، عموداً في صحيفة نيويورك تايمز دعا فيه إلى تقسيم #العراق بين "الأكراد في الشمال والسنة في الوسط والشيعة في الجنوب."
وأضاف: "هذا التقسيم سيسمح لأمريكا بتوجيه معظم أموالها وجندها إلى حيث يمكنها تحقيق أكبر النتائج بسرعة – إلى الأكراد والشيعة. وبعدها يمكن للمسؤولين الأمريكيين أن ينتظروا السنة المثيرين للمشاكل والمستبدين بعد حرمانهم من النفط وإيرادات النفط، إلى أن يخففوا من طموحاتهم أو يواجهوا العواقب." وهذه العواقب أصبحت تصيب بوبائها وتنشر الإنقسامات في كل المنطقة.
من الجدير بالذكر أن غيلب كان من الذين أخذ كتاب تقرير دراسة #العراق الذي صدر مؤخراً بمشورتهم.
ولهذا ربما يكون المرء معذوراً إذا ما إعتقد بأن الولايات المتحدة كانت عازمة في البداية على قهر الطائفة السنية في #العراق بل وحتى معاقبتها نيابة عن الرئيس صدام حسين، الذي لم يفرق في ظلمه بطبيعة الحال بين كردي أو سني أو شيعي.
لقد تم تهميش السنة في #العراق الحالي. ورئيس الوزراء شيعي وهو الذي يستمد سلطته من حزب الدعوة الذي طويلاً ما نادى بإنفصال الشيعة وإقامة دولة شيعية مستقلة.
أما الرئيس العراقي فهو زعيم حزب الإتحاد الوطني #الكردستاني الذي يصف نفسه في موقعه على الإنترنت بأنه "#حزب_سياسي يهدف إلى تحقيق تقرير المصير للشعب الكردي في #العراق. فهل يمكن لنا ونحن في كامل قوتنا العقلية أن نصدق بإن كبار الساسة هؤلاء في #العراق قد تخلوا بين ليلة وضحاها عن أحلام الإنفصال التي طويلاً ما رافقتهم؟
ضمن خطة الرئيس جورج بوش الجديدة التي تم الحديث عنها كثيراً التي تتضمن زيادة عدد القوات الأمريكية في #العراق، ستشارك كتائب من البشمركة الكردية إلى جانب القوات الامريكية في عملية إخضاع بغداد. وهذه القوات هي نفسها التي تقوم بأعمال التطهير العرقي ضد العرب في مدينة كركوك.
إذا ما أرادت الولايات المتحدة من دول المنطقة أن تساند جهودها، فعليها أن تلتزم بالحياد وعدم الإنحياز، ينبغي على الولايات المتحدة أولاً أن تبدأ العمل نحو إعادة إلتحام للدولة العراقية وأن تتعامل مع الشيعة والأكراد والسنة بدون تفريق.
وفي الوقت نفسه يجب على شركات النفط الأجنبية العملاقة والحكومات التي ترعاها أن تـتوقف عن اللهاث وراء نفط #العراق وأن يتم توزيع عوائد النفط العراقي بالتساوي بين كل #العراق ولما فيه مصلحة كل الشعب العراقي.
وأتذكر هنا مقولة لمارتن لوثر كنغ الإبن جاء فيها: "إن السلم الحقيقي ليس هو مجرد غياب التوتر، بل هو حضور العدالة". دون هذه العدالة لكل العراقيين بغض النظر عن معتقداتهم أو قومياتهم فإن مستقبل #العراق يبدو مظلماً.