لا نبالغ أبداً إذا قلنا إن خطراً وشيكاً يحدق بمنطقتنا، لا بل ما يجري أسوأ بكثير. فالتهديدات بدأت تظهر من كل الاتجاهات وبأوجه مختلفة. ومعظمها مصدره أيديولوجيات مشوّهة تُخفي رغبة في الاستيلاء على السلطة والسيطرة على الأراضي. وأخيراً تنبّهت الولايات المتحدة، مع حلفائها الغربيين وكذلك الدول العربية الحليفة ذات الأكثرية السنّية، إلى الخطر الذي يشكّله تنظيم "#الدولة_الإسلامية"، وهو اسم على غير مسمّى، هذا الخطر الذي لطالما قد حذرت منه منذ أكثر من عام؛ وقد بادرتْ إلى نشر مواردها العسكرية للقضاء على هذا التنظيم السامّ والدموي في شمال العراق وفي السورية حيث يتمركز هؤلاء القتلة.
للأسف الشديد لقد تأخّر هذا التدخّل كثيراً. لم يتحرّك المجتمع الدولي إلا بعد قطع رؤوس رهائن غربيين، هذا المجتمع الذي ظلّ مكتوف اليدين بعد المذبحة الجماعية التي تعرّض لها العراقيون رجالاً ونساءً وأطفالاً. لكن في حين كانت كل الأنظار موجّهة نحو تدمير غزة على أيدي إسرائيل والفظائع التي ترتكبها "#الدولة_الإسلامية"، كانت طهران التي تمثّل بلا شك تهديداً أكبر بكثير لأمن الشرق الأوسط والخليج، تعمل بهدوء على تحقيق أهدافها التي تسعى من خلالها إلى فرض هيمنتها، وذلك من دون أن تعترضها أية عوائق ومن دون أن ينتبه أحد إلى ما تخطّط له.
إذا كان علي أن أصنّف بحسب الأولوية مستويات التهديد من جانب كل من "#الدولة_الإسلامية" وإيران على مقياس من واحد إلى عشرة، سوف تحتل "#الدولة_الإسلامية" مرتبة متدنّية جداً على المقياس لأن 35000 مقاتل، بحسب التقديرات، لا يستطيعون أن يهزموا جبروت تحالف دولي مكون من 50 عضواً. مما لا شك فيه أن تطهير الأرض من هذا الوباء لن يحصل بين ليلة وضحاها، والمؤسف أن مزيداً من الأبرياء سيسقطون في إطار عملية القضاء على التنظيم. لكن في العموم، لن تكون هذه المهزلة الرديئة والخلافة المزعومة التي يحاولون إنشاءها سوى مجرد هامش في كتب التاريخ في المستقبل. أما كبح أطماع الملالي في #إيران فيشكّل تحدياً أكبر بكثير، وليس هناك من يعمل على معالجته. على النقيض، فقد حصلت #إيران على هالة من الاحترام جراء الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة من أجل تحقيق الانفراج في العلاقات بين البلدَين بعد تجاوز الخلافات حول البرنامج النووي الإيراني. لم تأخذ المعادلة الأمريكية في الاعتبار أن #إيران هي من أكبر رعاة الإرهاب.
ما هي تلك الأطماع؟ لا حاجة إلى التكهّن، فالجواب معروف وليست هناك أي ذرة شك على الإطلاق. تسعى #إيران إلى تصدير عقيدتها الشيعية إلى أكبر عدد ممكن من الدول الإقليمية، إما مباشرةً وإما بصورة غير مباشرة عبر استخدام عملائها، وذلك بهدف استبدال الحكومات السنّية بأنظمة شيعية. أُدركُ هذا الخطر منذ عقود، وقد ناشدتُ حينها الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وحلفاءنا العرب، مراراً وتكراراً، الإقرار بهذه المشكلة بوضوح وبذل كل الجهود الممكنة كي لا يصبح أحفادنا ناطقين باللغة الفارسية.
المخطط واضح مثل عين الشمس. جلّ ما أتمنّاه هو أن يفكّروا ملياً وأن يأخذوا الكلام الذي صدر عن عضو مجلس الشورى الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرّب من المرشد الأعلى علي خامنئي على محمل الجد. فقد كشف عن مناورات الملالي وحيَلهم خلال كلمة ألقاها مؤخراً أمام مجلس الشورى قال فيها إن #إيران تمر هذه الأيام بمرحلة "الجهاد الأكبر" التي تتطلب سياسة خاصة وتعاملاً حذراً، متباهياً بأن "ثلاث عواصم عربية أصبحت الآن بيد #إيران وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية". أضاف زاكاني أن #صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية، وأن 14 محافظة يمنية من أصل 20 سوف تصبح قريباً تحت سيطرة #الحوثيين. لم يسمِّ تلك العواصم العربية، لكنني أعتقد أنها دمشق (نظام علوي شيعي)، وبيروت (الخاضعة لسيطرة "حزب الله"، وهو تنظيم شيعي مسلّح)، وبغداد التي يفرض دستورها أن يكون رئيس الوزراء من الطائفة الشيعية. واليمن - التي تُعتبر مهد الأمة العربية - قد سقطت في أيدي #الحوثيين الشيعة، وهم انفصاليون سابقون تحوّلوا إرهابيين، ولم يعودوا يكتفون بالسعي للحصول على حصّة من الكعكة، بل يريدون الآن أن يلتهموها كاملةً.
وقد ساعدناهم على تحقيق أطماعهم، بسبب تأخرنا بأخذ قرار الوفوق بجانب الحكومة اليمنية في مواجهة هذه الدمى الإيرانية الإرهابية. فبعد استيلاء المتمرّدين الشيعة بالعنف على الجزء الأكبر من العاصمة #صنعاء، وجد الرئيس اليمني عبد ربه #منصور_هادي نفسه مرغماً على توقيع اتفاق معهم، ما أدّى إلى تعيين حوثيين في منصب مستشارين سياسيين، فضلاً عن تقديم تنازلات أخرى. وقد وصف هادي الاتفاق بـ"التاريخي". أما أنا فأعتبره سوء تقدير كارثياً قبِل به على مضض رجلٌ يواجه مأزقاً كبيراً. فقد أصبح، بتوقيعه على الاتفاق، متواطئاً في هذه الجريمة. لقد باع بلاده إلى #إيران مقابل الحصول على الهدوء، لكن بدلاً من أن يفي #الحوثيون بتعهّدهم بالانسحاب من #صنعاء، يطالبون بمزيد من التنازلات.
لا يفاجئني أن #الحوثيين يحتفلون بالنصر بإطلاق الألعاب النارية وشن هجمات انتقامية على خصومهم. لكن ما يصدم فعلاً هو أن الأمم المتحدة باركت هذا الاتفاق. والأشد هولاً أن بعض القادة العرب قد هنّأوا الحكومة اليمنية على هذه الخطوة نحو "المصالحة". ماذا يجول في ذهنهم؟ فالحوثيون، وبسبب قربهم الجغرافي، وأعدادهم الكبيرة (نحو ثمانية ملايين)، وهمجيتهم المعروفة، أشد خطورة، حتى من "حزب الله"، على أمن دول #الخليج. يبدو هذا السيناريو مثل كابوس أحاول فيه الهروب من مسخ رهيب فيما الجميع من حولي يبتسمون ويتبادلون الأحاديث، على الرغم من أن المسخ ينفث نيراناً تحرق شعورهم.
لا عجب في أن علي رضا زاكاني يشعر بالارتياح. فهو يقول إنه قبل الثورة الإسلامية في #إيران، كان هناك تياران أساسيان يشكلان المحور الأمريكي في المنطقة - الإسلام السعودي والعلمانية التركية - أما الآن فقد تغيرت المعادلة السياسية لصالح #إيران، مضيفاً: "نحن اليوم في ذروة قوتنا وقادرين على فرض إرادتنا ومصلحتنا الاستراتيجية على الجميع في المنطقة". وزعم أيضاً أنه يعود لإيران الفضل في إبقاء نظام الأسد في السلطة وإنقاذ بغداد من "#الدولة_الإسلامية". في الحقيقة، تتسبّب #إيران بزعزعة الاستقرار وإثارة الانقسامات، وقد شلّت الدولة اللبنانية عن طريق "حزب الله". لست أفهم كيف أن الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، سعت إلى تصنيف الجناح العسكري فقط لـ"حزب الله" في خانة التنظيمات "الإرهابية"، في حين أن القائد نفسه يرأس الجناحَين السياسي والعسكري.
أدعو قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى التنبّه جيداً. المخطط الإيراني لا ينتهي في #اليمن. يقول زاكاني: "بالتأكيد فإن الثورة اليمنية لن تقتصر على #اليمن وحدها، وسوف تمتد بعد نجاحها إلى داخل الأراضي السعودية، وإن الحدود اليمنية السعودية الواسعة [هناك مليونا مسلّح منظّمون في #اليمن] سوف تساعد في تسريع وصولها إلى العمق السعودي". وعلى الرغم من هذا كله، قرأت أن العلاقات بين الرياض وطهران تشهد تحسّناً!! نحن نعاني فعلاً من هشاشة كبيرة. فدول مجلس التعاون الخليجي من السعودية إلى عُمان محاطة من كل الجهات بشيعة معادين خاضعين لسيطرة طهران، سواء كانوا إيرانيين أم عراقيين أم حوثيين، لكن بدلاً من أن نتحرّك لتعزيز دفاعاتنا، نربّت للإرهابيين #الحوثيين على ظهورهم، ونغضّ النظر عن جرائم "حزب الله" ونعانق المسؤولين الإيرانيين.
أتمسّك بالأمل بأن بعض بلداننا تتحرّك الآن لمواجهة تنظيم "#الدولة_الإسلامية"، وبأن جيوشنا وقواتنا الجوية ستقوم بتوسيع عملياتها لاستعادة سوريا والعراق ولبنان واليمن قبل أن يتحوّل العالم العربي السنّي مجرد ظلال في ليلٍ فارسي حالك السواد. علينا أن نرفع علم مجلس التعاون الخليجي عالياً وأن نُظهر للمتآمرين من حولنا أننا نعرف لعبتهم جيداً، ولن نسمح لهم بأن يخرجوا منتصرين.