لدى تصفّحي الصحف البريطانية صبيحة الأربعاء الماضي، صعقني مقال بقلم مراسل صحيفة "#دايلي #تلغراف" #في الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، المقيم #في دبي.
"بريطانيا تضع خطة لإجلاء رعاياها من الخليج #في حال وقوع حرب مع إيران"، هذا هو العنوان الرئيس المثير للهلع والمرفق بصورة أشخاص يتمدّدون تحت أشعة الشمس على أحد الشواطئ #في دبي. وعند قراءة #المقال، تبيّن لي أنه يركّز #في شكل شبه كامل على الإمارات العربية المتحدة بدلاً من دول الخليج كافة بحسب ما يرد #في العنوان.
استقى سبنسر زعمه بأن القوات المسلّحة البريطانية "تضع خطط طوارئ لإجلاء مئات آلاف الرعايا والسيّاح البريطانيين من دبي ومدن خليجية أخرى #في حال وقوع حرب مع إيران" من "مصادر دبلوماسية" لم يكشف عن هويتها.
ومضى يقول "توضَع اقتراحات لتنظيم إجلاء المدنيين عبر الحدود إلى عُمان التي ليست حالياً #في مرمى الأنظار الإيرانية، وبلدان مجاورة أخرى"، مشيراً إلى أن "سفناً سياحية قد تتمركز #في خليج عدن مع قيام سفن حربية تابعة للبحرية الملكية بنقل المدنيين من إمارة الفجيرة الصغيرة...". ويلفت أيضاً إلى أن البريطانيين قد يكونون #في خطر إذا نفّذت طهران تهديدها بـ"الرد على أي هجمات على مواقعها النووية بشن هجمات صاروخية على ‘أهداف غربية’ #في الخليج".
و"يكشف" سبنسر أيضاً أنه "يجري وضع اقتراحات جديدة لتنسيق النشاط العسكري #في المنطقة مع حلفاء بريطانيا المحليين المعادين لإيران، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة".
أيّ كلام هذا! نظراً إلى أن صحيفة "#دايلي #تلغراف" تصدر #في بريطانيا، أجده أمراً غريباً جداً أن يركّز هذا #المقال ‘الإخباري’ على الإمارات العربية المتحدة، وفي شكل خاص دبي. فمن المعروف أن "المصالح الغربية" أكثر شيوعاً بكثير #في بعض بلدان الخليج الأخرى التي ذهبت أبعد بكثير من الإمارات العربية المتحدة #في إبداء مخاوفها من البرنامج النووي الإيراني.
بصراحة، #في حال اندلعت أعمال حربية بين إيران وبلدان غربية بقيادة الولايات المتحدة، فعلى الأرجح أنها ستُوجِّه صواريخها أولاً نحو إسرائيل ثم إلى البلدان التي تستضيف قواعد أمريكية كبرى على أراضيها. وسوف تكون الإمارات العربية المتحدة الهدف الأخير على لائحة طهران، وقد لا ترد على تلك اللائحة أبداً. كان الأجدى بسبنسر كتابة مقال عن إجلاء الحكومة البريطانيا لرعاياها من تل أبيب ومحيطها.
ولعل النقطة الأهم هي أن الجزء الأكبر مما كتبه سبنسر ليس جديداً. فكما كتب بنفسه "يُطلَب من السفارات حول العالم الإبقاء على خطط طوارئ لإجلاء الرعايا البريطانيين الذين يواجهون مختلف أنواع الكوارث والحالات الطارئة".
وفي الواقع، الاقتراحات المسمّاة جديدة التي تقوم على نقل الرعايا البريطانيين إلى عُمان ومن هناك ترحيلهم #في البحر ليست جديدة على الإطلاق. فهذه الخطة مطابقة تماماً لتلك التي وُضِعت خلال حرب الخليج عام 1991، وكانت على ما أعتقد من تصميم القنصل العام #في دبي آنذاك. وكما تبيّن لاحقاً، لم يتم إجلاء أي بريطاني من دبي أو أي إمارة أخرى لأن صدام حسين احتفظ بصواريخ سكود التي بحوزته ليُطلقها باتّجاه إسرائيل والقواعد الأمريكية #في المنطقة.
إذاً ما الدافع خلف هذا #المقال؟
أظهرت نشرة ArabianMoney الإخبارية حنكة شديدة #في هذا المجال. فتحت عنوان "#ماذا تعني صليل السيوف البريطانية #في الخليج بالنسبة إلى المستثمرين؟"، نقرأ #في موقعها الإلكتروني "لا شك #في أن صليل السيوف البريطانية هذه هي جزء من تعاظم الضغوط على إيران للتخلّي عن برنامجها النووي...".
إنه تحليل منطقي أن يكون مسؤولون بريطانيون قد قاموا بتسريب هذا الخبر العاري عن الصحة لزيادة الضغوط على طهران كي تتخلّى عن تخصيب اليورانيوم، لا سيما وأن الصحيفة التي نشرت "الخبر" هي "#دايلي #تلغراف" المقربة من الحكومة البريطانية وتملك ميولاً مؤيّدة لحزب المحافظين وإسرائيل على السواء. وفي هذه الحال، يغيظني كثيراً أن يكون قد زُجّ باسم الإمارات العربية المتحدة – ودبي #في شكل خاص – واستُعمِل بهذه الطريقة الشعواء #في لعبة الشطرنج الديبلوماسية هذه.
من شأن هذا الإعلان أن يقوِّض كثيراً ثقة المستثمرين #في وقت يزدهر فيه الاقتصاد الإماراتي عقب انتكاسات تسبّب بها الانكماش العالمي. تشير التوقّعات لسنة 2011 إلى تحسّن كبير #في مختلف القطاعات بما #في ذلك السياحة والعقارات.
ومن شأن هذا الأسلوب #في إثارة الذعر لأغراض سياسية أن يؤدّي أيضاً إلى تهافت البريطانيين ومواطنين من جنسيات أخرى إلى المطارات عائدين إلى ديارهم لينضمّوا إلى قافلة العاطلين عن العمل #في وقت تسجّل فيه البطالة معدّلات مرتفعة، مما يلقي بعبء إضافي على الاقتصادات الغربية المترنّحة.
بحسب تجربتي، يشعر الرعايا الأجانب #في الإمارات العربية المتحدة، سواء كانوا مالكي شركات خاصة أو موظّفين، بالالتزام حيال هذا البلد ويعتبرونه بمثابة وطن لهم. تجدر الإشارة إلى أنه عام 1991، وفي حين أرسل البعض عائلاتهم إلى أماكن آمنة، مكثت الغالبية هنا بدافع الولاء للشركات التي تعمل فيها ولأنها ترغب بشدة #في الحفاظ على نمط الحياة الذي لا يمكن إيجاده بسهولة #في أماكن أخرى. يشعر البريطانيون #في الإمارات العربية المتحدة بأنهم #في ديارهم أكثر مما يفعلون #في أي مكان آخر، ويكتسبون قيمة عالية كونهم يشكّلون جزءاً مهماً من مجتمعنا الهجين المتعدّد الإتنيات والجنسيات الذي يشبه قوس قزح.
بطبيعة الحال، وعلى غرار عدد كبير من الصحافيين الذين يحلو لهم توجيه سهامهم إلى دبي، لم يستطع سبنسر أن يقاوم إغراء اللجوء إلى الصور النمطية التي ينقلها الإعلام عن الإمارة مثل الكلام عن "مجمّعات فيلات المغتربين الفخمة" و"لاعبي كرة القدم الذين يعانون من مشاكل #في زواجهم" بهدف تصوير الأجانب المقيمين #في دبي بأنهم مدلَّلون وسطحيون ويبحثون فقط عن المتعة، مع العلم بأن معظم الرعايا البريطانيين المجتهدين #في العمل لا يعيشون #في فيلات فخمة.
أخيراً، وبحسب سبنسر، سوف تعرض بريطانيا مساعدة الإمارات العربية المتحدة عبر الحفاظ على "حسن سير البنى التحتية الحيوية مثل الكهرباء ومصانع تحلية المياه #في حال اندلاع حرب". يا للروعة! حريّ بحليفتنا المخضرمة أن تلتزم حماية الإمارات العربية المتحدة وشعبها.
#في غضون ذلك، تستطيع الحكومة البريطانية أن تثبت صداقتها عبر قطع عهد على نفسها بعدم إلحاق الضرر ببلادي من جديد لأغراض الدعاية السياسية الرخيصة. وعندما ننظر إلى هذه الواقعة #في سياق الوثائق التي كشف عنها موقع "ويكيليكس" بصورة انتقائية، لا يُفاجئنا أن بعض العناصر #في العالم الغربي تعمل على زعزعة الاستقرار #في عالمنا.