ظهرت عشرات القنوات التلفزيونية العربية المتخصصة على مر السنين، لكنني أشاهد قناتَين فقط هما "الجزيرة" و"العربية". والسبب أنهما في رأيي أنهما الشبكتان الأكثر مصداقية في العالم العربي واللتان تقدّمان للمشاهدين تقارير شاملة وآراء متوازنة. ولذلك عندما اتّصل بي عدد من أصدقائي منذ بضعة أيام واقترحوا علي مشاهدة إعادة لإحدى حلقات "نقطة نظام" من تقديم حسن معوض على موقع "العربية" Alarabiya.net، لم أتردّد على الإطلاق. لكن كان يجدر بهم أن يحذّروني بأن صدمة ما تنتظرني.
كانت ضيفة معوّض في تلك الحلقة نوني درويش (ناهد مصطفى حافظ درويش) مؤسّسة ورئيسة حركة "عرب لأجل إسرائيل"، والتي يُعتقَد أنها ألّفت كتابَين يحملان عنوانَين مثيرين للجدل: "جعلوني كافرة: لماذا نبذتُ الجهاد لأجل أمريكا وإسرائيل والحرب على الإرهاب" و"عقاب قاسٍ ومعتاد: التداعيات العالمية المخيفة للشريعة الإسلامية".
وقد تعمّدتُ استخدام عبارة "يُعتقَد أنها ألّفت"، لأنه وبصراحة تامة، بعد مشاهدة أدائها السيّئ جداً في البرنامج، يصعب أن نتخيّل أن بإمكانها تأليف كتب ما عدا صفحات مليئة بالكره والغباء تهدف إلى تحريض كارهي الإسلام المتشدّدين الذين لا يفوقونها ذكاء.
تحمل محاولتها الأخيرة عنوان "الشيطان الذي لا نعرفه: الجانب المظلم من الثورات في الشرق الأوسط"، وتتمحور حول النظرية التي تعتبر أن كل الثورات في الشرق الأوسط منيت بالفشل منذ سقوط الأمبراطورية العثمانية. وهي تشبّه الربيع العربي بالثورة المصرية الفاشلة عام 1952، حسب ما تدعيه، مع العلم بأنها لم تكن ثورة بل انقلاب عسكري مدعوم من الشعب أدّى إلى إطاحة الملك فاروق، وتصنّف #جمال_عبد_الناصر وحافظ #الأسد ومعمر #القذافي بصورة خاطئة في خانة الإسلاميين، في حين تحذّر من أنه إذا لم يكن الرئيس #المصري الجديد على قدر توقّعات "الإخوان المسلمين"، فسوف يتعرّض للاغتيال مثل الرئيس أنور السادات.
كنت أدرك قبل مشاهدة المقابلة أنني لن أتّفق مع آراء السيدة درويش، وتوقّعت أن تكون هذه الاراء غريبة بعض الشيء. لكنني كنت أترقّب نقاشاً حيوياً بين شخصَين مطّلعين يختلفان في وجهات النظر. في الواقع، أُعجِبت بمستوى الاحتراف الذي أظهره السيد معوض من خلال التحضير المتأنّي والأبحاث الدقيقة، لكنني صُعِقت أمام جهل السيدة درويش الكثير تجاه الإسلام والسياسة الشرق أوسطية على حد سواء.
كان التفاوت في المستوى الذهني ومهارات النقاش بين المقدّم وضيفته محرجاً، فبدا الأمر وكأن أينشتاين يحاول شرح نظريته عن النسبية للأرنب "باغز باني". فقد راحت تحرّك يدَيها بعصبية وتتلوّى في مقعدها وتُقلّب في الأوراق أمامها، أو تُحدّق في الفراغ بحثاً عن أجوبة، في مشهد كان يمكن أن يشعرنا بالأسى حيالها لو أنّها لم تكن تتفوّه بكلام يُروّج لدعاية مناهضة للإسلام لا أساس لها من الصحة ومشاعر تحريضية ضد العرب.
حسناً، لقد اعتنقت المسيحية بعد زواجها وانتقالها للعيش في الولايات المتحدة، لكن مهما كان لون جواز سفرها، سيبقى دمها مصرياً وعربياً على الدوام شاءت أم أبت. وقد سقط والدها مصطفى حافظ الذي كان ضابطاً في الجيش #المصري، ضحية عملية قتل استهدافية نفّذتها إسرائيل في العام 1956 - واعتبره الرئيس #المصري الأسبق #جمال_عبد_الناصر "شهيداً" يجب الثأر لمقتله. لو علم ذلك الرجل المسكين الذي ضحّى بحياته من أجل بلاده أن ابنته من لحمه ودمه تبرّئ قتلته لأن "الفدائيين يقتلون الإسرائيليين"، لاهتزّت عظامه في قبره.
سألها معوض "كان والدك فدائياً، هل يعني ذلك أنه إرهابي؟" تلعثمت بحثاً عن جواب قبل أن تعلن تعريفها الواهن للإرهابي: "شخص يربط شيئاً حول جسده" بحسب قولها!
عبّرت درويش عن حبها للشعب #المصري لكنها هاجمت الشباب في ميدان التحرير لأنهم لم يرفعوا لافتات تطالب بفصل الدين عن الدولة أو إلغاء المادّة الثانية من الدستور #المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع. لكن عندما سئلت لماذا لا تنتقد الدولة اليهودية من المنطلق نفسه، تلعثمت بالإجابة. ليس لانتقاد إسرائيل مكان في قاموس هذه السيدة. على النقيض تماماً، لا تتعاطف مع الفلسطينيين، وقد أعربت في مقابلة معها في العام 2009 عن أسفها لأن "الإعلام لا يأتي أبداً على ذكر الأعمال التي تنم عن حسن نيّة وتصرّف من جانب إسرائيل" مضيفةً "أشعر أنه لا ينصف إسرائيل".
وعندما سألها معوض عن رأيها في القس تيري جونز من تكساس الذي أحرق المصحف الشريف، أظهر جوابها أنها تفتقر بالكامل إلى البوصلة الأخلاقية. فقد ساوت بين هذا العمل الشنيع وحرق الأعلام الأمريكية التي يلجأ إليه بعض المسلمين (وسواهم) للتعبير عن إحباطاتهم السياسية. وبدت أيضاً مرتبكة في تحديد هوية الأشخاص الذين يقفون خلف الإطاحة بالرئيس مبارك، فقد نسبت الأمر إلى "الإخوان المسلمين" متناسيةً أنها أقرّت قبل دقائق قليلة بأن الشباب هم من كانوا وراء الثورة.
من الواضح أن درويش مسكونة بهاجس الشريعة ومعارضتها لها، فهي تزعم أنه إذا طالب المصريون بتطبيق الشريعة، لا يمكنهم أن ينادوا في الوقت نفسه بالديمقراطية والحرية. وكانت هناك لحظة من الخفّة المسلّية عندما قالت إنها زارت مسجدَين في الولايات المتحدة يطالبان بأن يكون سيد البيت الأبيض مسلماً، وإن المسلمين البريطانيين يسعون إلى جعل العائلة المالكة تعتنق الإسلام، مما يفسّر، في رأيها، لماذا تتفشّى "الإسلاموفوبيا" أو كره الإسلام في الغرب.
الأشخاص الذين يفتقرون إلى المنطق ويسعون إلى الترويج لأنفسهم يجب عدم منحهم منبراً يُطلّون عبره ويروّجون فيه لأفكارهم؛ إنهم يلحقون الأذى بأنفسهم، ويهدرون وقت المشاهدين، ويقوِّضون في نهاية المطاف مصداقية المحطة. في البداية، لم يثر كتاب سلمان رشدي "آيات شيطانية" اهتمام النقّاد كثيراً، لكنه حقّق أفضل المبيعات بعدما أصدر آية الله الخميني فتوى بهدر دم رشدي، مما سمح للكاتب بجني مبالغ طائلة.
نوني درويش هي نكرة تكره نفسها وتستمتع بالدوس على جذورها. قد تكون من الطوائف المرمونية أو السيانتولوجية أو حتى من طائفة المونيين. وهنا لا بد من التوقّف عند قول فلسطيني مأثور يعبّر جيداً عن حالة درويش. عندما اعتنق رجل يدعى حنّون الإسلام، وكان يُعرَف عنه أنه غير نافع، راح الناس في محيطه يقولون "ما زاد حنّون في الإسلام خردلةً ولا النصارى افتقدو إسلام حنّون". يمكنني قول الشيء نفسه عن درويش، فهي ليست خسارة للإسلام ولا ربحاً للمسيحية. واستضافتها لا تُغني قناة العربية بشيء. آمل أن يأخذ معوض قلماً أسود عريضاً ويشطب اسمها إلى الأبد عن لائحة ضيوفه.